حوارات مجلّة”مشارف” : 16 – مع الشّاعر المغربيّ عبد اللّطيف البحيريّ

عبد اللّطيف البحيريّ

من هو عبد اللّطيف البحيري ؟

ولد عبد اللّطيف البحيري بآسفي ( المغرب) سنة 1962.أستاذ في اللّغة والآداب الفرنسيّة بالتّعليم الثّانويّ .شاعر غنائيّ ، مفرط الحساسية، يمتاز بامتلاكه ناصية اللّغة . للشعرِ عنده كلُّ خصائصِ الحياةِ.فعندَ قراءتِك لقصائدِه يرافقُكَ صوتٌ أصيلٌ صافٍ، تارةً ينسابُ في هدوءٍ و طورًا يندفعُ بقوّةٍ ، متغنّيا هنا بروعةِ الحياةِ ،مهدهدًا الأرواحَ الحالمةَ وموقظًا هناكَ العقولَ النّائمةَ ، محرّكًا الذّواتِ الخامدةَ ، صوتٌ ينساب أحيانا انسيابَ موسيقى عذبةٍ ويرتفعُ أحيانا أخرى على هيئة صراخٍ شاجِبٍ للشّرِّ ومحتجٍّ على مقترفيهِ ومندّدٍ بكلِّ الانحرافاتِ التي تعيقُ الإنسانَ وتمنعُه من بلوغِ درجةِ اكتمال ذاتِهِ

مجاميعه  الشّعريّةّ:

نُتَف وشرارات ، دار أديلفر، فرنسا 2013   – ذكريات لا تُمحى ،دار سلايكي وإخوته للنّشر، طنجة 2013  – ديوان الورود المخبولة ، المغرب 2016  – حلو ومرّ، المغرب 2017 – حتّى إن كنّا مسنّين فلتكن حياتنا أفضل ،مجموعة شعريّة جماعيّة ، بإشراف عبد اللّطيف البحيري 2018 .

 السّؤال الأوّل : في عدد غير قليل من قصائدكم تظهرون منشغلين انشغالا عميقا بالوضعيّة العسيرة التي يتخبّط فيها من عضّهم القدر بنابه (الفقراء والأيتام والنّساء والعجائز والأطفال وغيرهم من المستضعفين…).فهل موقفكم هذا نابع من مجرد شفقة رومنسيّة أم هل غابتكم منه تحسيس السّاهرين على تدبير شؤون المجتمع للعناية بهم ؟

عبد اللّطيف البحيريّ :قبل أن أعيَ “شفقتي الرّومنسيّة” كان عليَّ أن أعود   على جناح الذّاكرة إلى طفولتي التي لم تكن سهلة  البتّة.فقد كنت فقير الحال ،يتيما وقد بقيت على قيد الحياة بفضل تضحية أمّ  كانت تكدح لأجل تربية أبنائها.فالتزامي تجاه المعدمين في هذه الدنيا ليس إذن ضربا من  الفنطازيا ينساق إليها كُوَيْتِبٌ لا شغل له .

السّؤال الثّاني : يرى عدّة نقّاد أنّ العناية بالمشكلات الاجتماعيّة كالبطالة والبؤس و الإقصاء  و التّفاوت بأنواعه من مشمولات السّياسيّين لأنّهم تتوفّر لديهم الإمكانات اللاّزمة لحلّها.أمّا الشّعراء فليس المطلوب منهم إلاّ الغوص في ذواتهم للبحث عن أجوبة  للأسئلة  الوجوديّة التي تؤرّق البشريّة ؟ فما رأيكم في هذا الحُكْم ؟

عبد اللّطيف البحيريّ: للنقّاد في رأيي المتواضع أن يفكّروا كما يحلو لهم  .أمّا أنا باعتباري شاعر فلا أثق  إلاّ في إلهامي وأمزجتي وحالاتي النّفسيّة.ومن هذا المنطلق ليس الشّاعر عندي ناسكا منعزلا عن المجتمع.فالالتزام لأجل التّشهير بالتفاوت الاجتماعيّ والمحاباة والمحسوبيّة هو من مشمولات كل شاعر يحترم نفسه.فحين يمسك السّاسةُ الشّعبُ بزمام يتعيّن التّنديد  بهم.

السّؤال الثّالث : في مجموعتكم الشّعريّة الجماعيّة التي وسومتموها ب “حتّى إن كنّا مسنّين فلنعشْ حياة أفضل” وجّهتم الدّعوة إلى شعراء ليكتبوا في موضوع حدّدتموه لهم .ألم تقولوا في موضع آخر: “فِعْلُ الكتابة صرخة مُعَذَّب تطفو من حيث لا أدري”؟ومعنى قولكم هذا أنّ الإبداع الشّعريّ أشبه ما يكون بالوحي الذي ينزل على الشّاعر ويتلبّس به وليس مجرّد نظم واع ، معلّل، متصنّع؟

عبد اللّطيف البحيريّ :شكرا لك على إتاحتك الفرصة لي كي أتحدّث عن هذا المشرع الطّموح الذي نجحتُ في إنجازه بفضل المشاركة المكثّفة، الطّوعيّة ،غير المشروطة لعدد كثير من الشّعراء من ثماني بلدان منهم تونسيّتان .وهو يروي الأوضاع الكارثيّة البائسة التي يكابدها المسنّون في بلداننا كلّها للبقاء على قيد الحياة .و إنّي لمسرور بالتّلقائية التي استقبل بها هذا المشروع وبالصّدى الواسع الذي لقيه .
إنّه صرخة عذاب صادرة من صميم واقعنا اليوميّ .وفي عدم أخذها بعين الاعتبار هروب من مواجهة ذلك الواقع.وعلاوة على هذا فالأنطولوجيات من هذا القبيل تكاد تستعصي على الحصر في جميع أنحاء العالم والمشاركون فيها من ذوي الشّهرة العالميّة.

 

 السّؤال الرّابع : تعيشون في بلد كلّ ميدان فيه مزدهر، بما في ذلك الثّقافة ورصيدكم من الكتب ثريّ يشتمل على أربع مجموعات شعريّة وتشاركون في الملتقيات الشّعرية .لكنّنا نراكم ،رغم ذلك ،في أكثر الأحيان، غير راضين.فهل تبحثون،  إذا لم أسئ الفهم ،عن اعتراف على الصّعيد الوطنيّ؟  وألا تعتقدون أنّ الكاتب الحقيقيّ هو الذي يكتب للمتعة لا غير؟

عبد اللّطيف البحيريّ :أنا فخور جدّا بأنّي أعيش في بلد جميل مثل المغرب .على أنّ ما يعاين فيه من الدّاخل يختلف عما يُرى من الخارج.فمثلما هو الحال في كلّ البلدان بلدنا مؤسّس أيضا على الدّعاية.وما دام الغربال لا سبيل إلى أن يخفي أشعّة الشمس فبلدي يحكمه  ضروب من  التّناقض والتّفاوت الاجتماعيّين الصّارخين .وذلك على الرّغم من بعض مظاهر التّقدّم اللاّفتة.

وهذا ما أصابني بخيبة أمل دائمة.وهو ما يؤدي بي  إلى الجزء  الثّاني من السّؤال.

رصيدي ثريّ بخمس مجموعات شعريّة فرديّة واثني عشر كتابا جماعيّا منها “مختارات من الشعر العالمي” التي أعتزّ بإدراجي فيه كلّ الاعتزاز.

السّاحة الثّقافيّة المغربيّة التي غالبا ما انتقدها بشدّة ليست مزدهرة إلاّ   بالنّسبة إلى بعضن المحظوظين من الإمّعيّين وعشّاق الانحناء  ولثم الأيادي.

ليس لديّ أيّ طموح إلى نيل اعتراف على المستوى الوطنيّ ما دام المسؤولون عن “الشّيء الثقافي” لا علاقة لهم البتّة بالثّقافة ..فالمسألة مشوّهة إذن …فأنالم يعد  لي ما أثبته وأتمسّك باستقلاليّتي الفكريّة، كما  أمقت الرّداءة وأقولها بصريح اللّفظ.لذلك هجرتُ الملتقيات الأدبيّة منذ قرابة السّنتين إذ  كنت أجد فيها  قليلا من كلّ شيء والكثير  من اللاّشيء.

السّؤال الخامس : تحتلّ الطّبيعة مكانة مهمّة في شعركم وتؤلّف بوضوح وسيلة للهروب من الحياة اليوميّة. ألا ترون أنّ هذه النّزعة الموغلة في الفرديّة تتضارب مع عنايتكم البالغة بالأوضاع الاجتماعيّة والإنسانيّة العسيرة؟

عبد اللّطيف البحيريّ :كلّ شيء يحفز على الكتابة .فالطّبيعة متنفّس  لا مثيل له ،أجد فيها مجالا للاستراحة والسّكينة .وبدلا من  الحديث هنا عن “تناقض”أميل إلى استعمال كلمة”تكامل”.ويكفي أن أذكر مثال فكتور هيقو الذي يعدُّ أبا الرّومنسيّة في القرن التّاسع عشر وفي الوقت نفسه رجلا سياسيّا نسيجَ وَحْدِهِ.

السّؤال السّادس : المغرب اليوم هو البلد العربيّ الوحيد المزدهر والمتقدّم والآمن.وقد فسّر بعضهم ذلك برجاحة عقل الملك الذي استطاع أن ينال ثقة الغرب ، كما فسّروه   أيضا بعقلانيّة النّخبة المغربيّة التي  مكّنتها من التّوفيق بين الهويّة العربيّة الإسلاميّة والكونيّة .هل  أفاد الكتّاب والشّعراء   من هذا الازدهار أم اقتصرت الإفادة منه على رجال الأعمال ونسائه؟

عبد اللّطيف البحيريّ :المغرب يجري بسرعتين مختلفتين : الأولى بخطى عملاق في ميدان الأعمال والأخرى بخطى السّلحفاة وهي مخصّصة للطبقات الشّعبية الدّنيا .ومع الأسف، هذه الهوّة المجتمعيّة تنعكس سلبا على الثّقافة.فالكتّاب والشّعراء الحقيقيّون أنزلوا إلى حضيض النّسيان  في حين أنّ الأذرع مفتوحة بكلّ حفاوة وترحاب لاحتضان الوصوليّين من كلّ حدب وصوب ، أولئك الذين صعدوا إلى   المنظومة المتناغمة بوساطة ماليّة أو بتواطؤ مريب.

السّؤال السّابع :حين يكون الشّاعر مدرّسا ، مثلما هو حالكم ،ألا تَدخلُ مهجتُهُ التّعليميّة  المنهجيّة المنضبطة في صراع مع مهجته الإبداعيّة التي من سماتها  التّمرّد وشقّ عصا الطّاعة؟وكيف تتوصّلون إلى التّوفيق بين هاتين النّزعتين المتقابلتين؟

عبد اللّطيف البحيريّ : تحقّق التّوفيق عندي  بين مهنة التّدريس  وميلي إلى كتابة الشّعر على نحو هادئ.وذلك بفضل  الانزلاق من صفة الشّاعر الشّاب ذي الاثنتين والعشرين سنة إلى المدرّس الذي صرتّه وأنا في الثّلاثين .أضيف إلى ذلك أنّ هذه المهنة مكّنتني من امتلاك ناصية اللّغة دون أن أدخل ضيما مع ذلك على قريحتي السّالفة زمنيّا و المتمردّة ،الشّاقة لعص الطّاعة.

السّؤال الثّامن : ما رأيكم في جمع هذا الفريق الذي يتألّف من مائة وعشرين شاعرا وشاعرة من القارّات الخمس ضمن منتخب شعريّ؟

عبد اللّطيف البحيريّ :قبل كل شيء أشكرك على توجيه الدّعوة إليّ.والبعد الكونيّ لهذا المشروع لا يمكن إلاّ أن يكون مفيدا، لأنّه نابع من عقل  جامع موحّد أحيّي فيه مثابرته وخاصة نجاعته.

السّؤال التاسع :  هل قدّم لكم الفايسبوك باعتباركم شاعرا بعض الفوائد ؟

عبد اللّطيف البحيريّ : كنتُ قد صرّحت سنة 2013 لجريدة يوميّة وطنيّة أنّ الفايسبوك هو منظومة مقاييس تنتصب آلياتها الثّقافيّة في نطاق قواعد  جامدة وفي أغلب الأحيان  خاوية .هذه الشّبكة الاجتماعيّة هي منصّتي التي  أستعملها  في التّعريف بشعري في القارّات الخمس ومن دونها لما كان بإمكاني أن أنشر ولو مجموعة واحدة ولما استطعت أن أربط عددا لا يكاد يحصى من علاقات الصّداقة في العالم بسره مع أناس متشبّعين بالحسّ المدنيّ وبالثّقافة وبروح التّبادل.

السّؤال  العاشر: ما هي مشروعاتكم العاجلة والآجلة؟

عبد اللّطيف البحيريّ :بعد المختارات الموسومة ب”حتّى إن كنّا مسنّين فلنعشْ حياة أفضل ” التي اضطلعت بتصميمها ها أنا بصدد إعداد مشروع جماعيّ آخر لا يدور حول أيّ محور وسيجمع بين فنّانين رسّامين وشعراء.لكنّ مشروعي الأكبر يظلّ  إكمال روايتي الأولى التي تنام منذ زمن بعيد من جرّاء  ما أحس به من مضايقات وجوديّة.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*