بائع الأناناس : قصة قصيرة لمحمد أسعد سموقان (اللاذقية – سورية )

صوت يعلو أكثر من أصوات البائعين جميعاً ..
” أناناس ..تعوا اشتروا.. انتو ناس ونحنا ناس .. ”
اقتربت منه ورحتُ أراقب يده التي كان يحمل فيها أناناسة أو ما كنا نسميها بطيخة صفراء ، فهي ترتفع إلى الأعلى والأسفل ، وتشكل محوراً شاقولياً وهي تهبط وترتد للأعلى .. تبتعد وتقترب حسب حركة يد البائع يميناً وشمالاً .
اقتربتُ أكثر… كان يرتدي” فيلداً ” وحذاءً سميكاً..
صوته كان يخترق كل الأجواء ،كان يبدو غريباً فهو الأكثر نشاطاً بين البائعين ،صوته أعلى الأصوات .. أدار وجهه .. إنه سميح صديقي ،اسم على مسمى ، ترك دراسة الحقوق وهو في السنة الثالثة ليعمل في سوق الهال ، يشتري الخضار ويبيعها .
تذكرت يوم كان يقول :انظر إلى هؤلاء التجار ، بعضهم ابتدأ بائعاً متجولاً وهو الآن تاجر كبير ..يومها سلك سميح طريق الثروة الشريفة وسلكتُ طريق الرسم أو كما يقال طريق الفقر .
لكنّ اللوحة التي يرسمها الآن هي من أجمل لوحات العصر .. البطيخة الصفراء تعلو وتنزل على محور الأرض حيث البائعات أمامهنَّ سلال البيض والبقدونس والرشاد والدجاج البلدي ..
وعلى الرصيف الموحل وتحت رذاذ المطر .. اقترب وعانقني وذكَّرني بلقائي الأخير معه ، يومها كنا جائعين وجيوبنا خاوية..دخلنا المطعم كالرجال وطلبنا كل شيء .. اللحم والسلطة والمشروب ، أكلنا وشربنا ثمَّ هربنا دون أن ندفع .

وأنا مازلت أذكر وجه صاحب المطعم ..إنه بلون الرضا والسعادة ممتلئ يخلو من التجاعيد يوحي بكتلتين مسطحتين من اللحم على جانبي العينين ..وبعد العناق قال :انظر إلى أصدقائي الباعة والبائعات .. نظرتُ رايتُ وجوهاً برونزية فيها أخاديد غائرة توحي بالجبروت والقوة والتحدي .. خطوط منحنية فوق الجبين يتغير لونها حسب ارتفاع وانخفاض الأخدود ، إنها تشبه تلك الجبال التي هي أفق للوحة الغابة غابة البسيط أو غابات الفرنلق . وجوه تذكرك بالأرض والشجر وبمغاور وأخاديد نبع الطاسة .
تذكرت أن صديقي يكتب القصة والشعر وهو قارئ نهم ، وها أنا أعود لأراه يرسم أجمل اللوحات ويكتب أبدع القصص ..وتخيلته الآن يلقي أمسية قصصية أو لنقل ” ماتينيه ” قصصية لأن الوقت كان في الصباح .
إنها قصة عنوانها /أناناس/ٍ تتألف من ثلاث كلمات: انتو ناس ونحنا ناس .
وبينما نحن وسط هذه اللوحة الرائعة ..كانت تتوقف بعض السيارات الفخمة لسماع القصة ، فيبتسم أصحابها ويشترون الأناناس ثم يرحلون .
ولا شيء يعكر خلفية المشهد إلا إطارات عجلاتهم المستعجلة فتشوه أصوات الباعة ..
لكني في تلك اللحظة لم أتخيل السيارات إلا عربات كالتي يركبها لويس الرابع عشر وماري إنطوانيت..
تنظر باستحياء إلى سميح وترميه بوردة بيضاء مقابل أن يقدم لها أناناسة تحمل ابتسامته الخفية.

5291

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*